الاعمى إذا أراد الصلاة فعليه أن يتحرى القبلة باللمس للحيطان إذا كان صاحب البيت، وإلا فعليه أن يسأل من حضر عنده، فإن لم يكن عنده من يسأله تحرى وصلى بالاجتهاد الغالب على ظنه، ولا إعادة عليه، كالبصير إذا اجتهد في السفر ثم تبين له خطأ اجتهاده فلا إعادة عليه. إذا كان عقل المريض معه وفهمه وإدراكه فإن الأوامر والأحكام الشرعية تنطبق عليه، ويكلف بالصلاة والصوم والطهارة ونحوها بحسب القدرة، ويجوز مساعدته على الطهارة إن قدر على غسل أعضائه، فإن عجز عن استعمال الماء في أعضائه وشق غسلها عليه عدل إلى التيمم، فإن عجز فإن المرافق يقوم بذلك بأن يضرب التراب فيمسح وجهه وكفيه مع النية. إن المؤمن بربه يرضى بالقضاء والقدر، ويعلم أن ما أصابه لم يكن ليخطئه، ويعلم أن في الابتلاء والامتحان خيرا كثيرا وأجرا كبيرا، وأن المصائب والنكبات يخفف الله بها من الخطايا، فيستحضر قول النبي صلى الله عليه وسلم: "ما أصاب العبد المسلم من نصب ولا وصب ولا هم ولا حزن ولا أذى ولا غم، حتى الشوكة يشاكها، إلا كفر الله بها من خطاياه" متفق عليه القلوب أوعية؛ منها ما يستوعب الخير، ومنها ما يستوعب الشر. وأفضل القلوب هي التي تمتلئ بالخير،تمتلئ بالعلم وتمتلئ بالدين والعبادة، تمتلئ بالعلم النافع والعقيدة السليمة، هذه هي القلوب الواعية، وهي أرجى القلوب لتحصيل الخير يجوز أن يعلم القبر بعلامات يعرف بها، فقد ثبت أنه صلى الله عليه و سلم لما دفن عثمان بن مظعون جعل عند قبره حجرا وقال: "أعرف به قبر أخي، وأدفن إليه من مات من أهلي". فيجوز أن يجعل علامة كحجر أو لبنة أو خشبة أو حديدة أو نحو ذلك، ليميز بها القبر عن غيره حتى يزوره ويعرفه.أما أن يكتب عليه فلا يجوز؛ لأنه قد نهي أن يكتب على القبور حتى ولو اسمه، وكذلك نهي أن يرفع رفعا زائدا عن غيره.
السراج الوهاج للمعتمر والحاج
48176 مشاهدة
حكم الحج والوعيد الشديد على من تركه مستطيعا

وسُئِلَ وفقه الله تعالى للحق:
ما حكم الحج إلى بيت الله الحرام وما الوعيد الشديد المترتب على من تركه وهو قادر عليه ومستطيع له ؟ .
فأجاب: الحج كما هو معلوم ركن من أركان الإسلام ، وقد ذكره النبي -صلى الله عليه وسلم- في قوله: بُني الإسلام على خمس: شهادة أن لا إله إلا الله، وأن محمدا رسول الله ، وإقام الصلاة، وإيتاء الزكاة، وصوم رمضان، وحج بيت الله الحرام وفي حديث جبريل المشهور لما سأل النبي -صلى الله عليه وسلم- عن الإسلام فقال: أن تشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله، وتقيم الصلاة، وتؤتي الزكاة، وتصوم رمضان، وتحج البيت إن استطعت إليه سبيلا .
يتبين لنا من هذه الأحاديث أن الحج من جملة الإسلام وهو أحد أركانه العظام.
وأركان الإسلام هي دعائمه وأُسسه التي يقوم عليها ويتكون منها، فمن أخلَّ بركن من هذه الأركان فقد اختل إسلامه ؛ فالبناء إذا انهدم أحد أركانه يعني أحد جوانبه فإنه لا يُنْتَفَعُ به، بخلاف إذا ما تمت حيطانه وجوانبه وزواياه، فكذلك الإسلام إذا اختل منه ركن من هذه الأركان فإنه يكون غير كامل ويكون دين المسلم فيه نقص ، هذا معنى كونه ركنا من أركان الإسلام.
ولكن الحج يجب بشروط ، ذكرها العلماء في كتبهم، فمن أراد معرفتها فإنه يُرْجَعُ إليها في مواضعها.
أما من ترك الحج وهو قادر عليه ومستطيع لأدائه واكتملت فيه الشروط، فإنه على خطر عظيم ، لما ورد من الوعيد الشديد على تركه ، وقبل الحديث عن الوعيد في تركه ، نذكر ما ورد في الحث على المبادرة إلى الحج .
لقد كان النبي -صلى الله عليه وسلم- يحث على المبادرة إلى الحج، فمن ذلك قوله -صلى الله عليه وسلم- بادروا بالحج والعمرة فإن الراحلة قد تضل والنفقة قد تذهب والرجل قد يمرض أو كما قال عليه الصلاة والسلام، انظر شرح الزركشي على مختصر الخرقي (3-42) والتعليق عليه.
ففي هذا الحديث حث منه عليه الصلاة والسلام على المبادرة إلى أداء هذا الركن العظيم، والمبادرة معناها : الإسراع ، وهذا من أدلة وجوب الحج على الفور.
كما أن أوامر الله تعالى يجب الإسراع بها، لما علل به في الحديث السابق من خوف العوائق والعوراض التي تعرض للإنسان، فإنه لا يدري متى تعرض له.
فعلى المسلم أن يبادر بأداء الأوامر والطاعات وهو في حال صحته واستطاعته قبل أن يندم، ولات حين مندم.

ثم إن الله تعالى إنما أوجبه مرة في العمر، كما في قوله صلى الله عليه وسلم: أيها الناس إن الله قد كتب عليكم الحج فحجوا، فقال رجل: يا رسول الله، أفي كل عام؟ فسكت حتى قالها ثلاثا، فقال: لو قلت نعم لوجبت، ولو وجبت لما استطعتم، الحج مرة، فما زاد فهو تطوع .
فمن حكمة الله ومن رحمته بعباده أنه ما أوجب الحج إلا مرة واحدة في العمر على الفور، لمن استطاعه، ولا يتم الدين إلا به وما زاد فهو تطوع.
ونعود للحديث عن الوعيد المترتب على من تركه، فقد ثبت عن عمر رضي الله عنه أنه قال: لقد هممت أن أبعث إلى بعض البلاد، فمن وجدوه قادرا على الحج فلم يحج أن أضع عليهم الجزية ما هم بمسلمين ما هم بمسلمين أو كما في الأثر.
ورُوي أن عليا قال: من قدر على الحج فلم يحج فليمت إن شاء يهوديا أو نصرانيا .
ولعل هذا صدر على سبيل التهديد والوعيد، أو لعلَّه فيمن تركه مع القدرة عليه زُهدا فيه ورغبةً عنه، أو عدم اهتمام بهذا الركن، أو تساهلا وتهاونا به، أو انكارا لشرعيته، أو للحِكَم التي تترتب عليه، أو نحو ذلك، ولا شك أن هذا انتقاص للإسلام.
وقد كان الحج إلى بيت الله العتيق قديما قبل الإسلام، فقد رُوي أن الأنبياء قد حجوا هذا البيت وقد روي في ذلك آثار وأحاديث، وكذلك رُوي أن الملائكة طافت به قبل أن يُخلق آدم والله تعالى قد أمر إبراهيم ببناء هذا البيت وأمره بالنداء إليه بقوله تعالى: وَأَذِّنْ فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ يَأْتُوكَ رِجَالًا وَعَلَى كُلِّ ضَامِرٍ يَأْتِينَ مِنْ كُلِّ فَجٍّ عَمِيقٍ (سورة الحج ، الآية:27) وظاهر ندائه أنه كما روي في بعض الآثار: يا أيها الناس إن الله كتب عليكم الحج فحجوا فدلّ هذا على أن الحج واجب، فقوله: كُتِبَ عليكم أي: فرض عليكم، كما في قوله تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ (سورة البقرة ، الآية:183) أي:فُرِض عليكم الصيام.
فإذا عرفنا أن الحج أحد أركان الإسلام، وأن الله تعالى أتم به الدين، وعرفنا أنه لازم وواجب، فعلى كل مسلم إذا تمت فيه الشروط المعروفة أن يأتي لهذا البيت المعظم ملبيا نداء الله إليه، فإن من تركه تهاونا فإنه متعرض للوعيد الشديد؛ سيما وقد فرضه النبي عليه الصلاة والسلام وبيَّنه وأتمه، وقال للناس لما وقف بهم في المشاعر: خذوا عني مناسككم ولما وقف بعرفة أنزل الله عليه: الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا (سورة المائدة ، الآية:3) أي: في ذلك اليوم الذي تمت فيه المناسك والمشاعر وتمت فيه أركان الإسلام، وكان به تمام الدين وكماله، وفيه إتمام لسنة الله عز وجل ورضاه بأن يكون الإسلام دينهم، فهذا كله دليل على أن الحج فرض وواجب.
ومن الأدلة على فرضيته عموم أقوال الرسول -صلى الله عليه وسلم- وأفعاله في التأكيد عليه وبيان فضائله وأنه خاتمة الشرائع، وأن من أتى به كان ذلك من تمام إسلامه ، ومن لم يأت به كان إسلامه ناقصا.
نسأل الله أن يجعل لنا منه حظا ونصيبا، وأن يجعلنا من المقبولين والمغفور لهم، إنه على كل شيء قدير.